فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

إخواني رحل الأحباب إلى القبور وسترحلون، وتركوا القصور والأموال، والأوطان وستتركون، وتجرعوا كأس الفراق وستتجرعون.
وقدموا على ما قدموا واستقدمون، وندموا على التفريط في الأعمال وستندمون، وتأسفوا على أيام الإهمال وستتأسفون، وشاهدوا ما لَهُمْ عِنْد قدوم هادم اللذات وستشهدون.
ووقفوا ببصائرهم على الأهوال، وستقفون، وسئلوا عما عملوا وستسألون، ويود أحدهم لو يفتدى بالْمَال وستودون.
فبادروا بالمتاب قبل يوم الحساب وخيبة الظنون، فكأنكم بأيام الشباب وقَدْ أبلتها يد المنون، وقَدْ أظلكم من فجاءة الموت ما كنتم توعدون.
قال الله تبارك وتَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} فَكَيْفَ بك يا من صناع عمره فرطا في القيل والقال وعِنْد المذياع والكرة والتلفزيون.
ماذا يكون موقفك إذا نفخ في الصور ما في القبور وحصل ما في الصدور وضاقت الأمور وظهر المستور.
وخَرَجَ الخلائق من القبور ياله من يوم فيه الزلازل والأهوال وفيه تسير الجبال وترادف المزعجات والأهوال، وتنقطع فيه الآمال، ويقل فيه الاحتيال.
فيا خسارة أَهْل الشمال يوم نزل فيه الأقدام وتتبلد فيه الأفهام، ويطول فيه القيام وتتابع فيه الهموم والآلام وتظهر الجرائم والآثار وينقطع فيه الكلام.
ياله من يوم، يوم يقوم النَّاس لرب العالمين يوم الحَسْرَة والندامة يوم الزلزلة والطامة يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة يوم الصاخة: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}.
كأْسُ الْمَنِيَّةِ دَائِرٌ مَا بَيْنَنَا ** يَسْقِيكُمُوا وَيَدُورُ لِلنُّدَمَاءِ

فِي الْمَوْتِ أَعْظَمُ عِبْرَةِ لِمُبْصَّرٍ ** أَوْ عِبْرَة مَمْزُوجَةٍ بِدِمَاءِ

فَهُوَ الْمُصِيبَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ آيَةٍ ** مُفْنِي الْوَرَاء وَمِحْنَةُ الْعُقَلاءِ

وَهُوَ الرَّزِيَّةُ وَالْبَلِيَّةُ وَالَّذِي ** يَسْطُو عَلَى الآبَاءِ وَالأَبْنَاءِ

فَاشْدُدْ حَيَازِيمَ الرَّحِيلِ إِلَى الأُولَى ** وَاخْرُجْ مِن الأَدْوَاءِ وَالْحُكَمَاءِ

إِنَّ الْغَنَائِمَ فِي التَّوَكُّلَ وَالرِّضَا ** لَيْسَتْ مَعَ الصَّفْرَاءِ وَالْحَمْرَاءِ

لَوْ أَنَّ عُمْرًا مِن طَبِيبٍ يُشْتَرَى ** عَاشَ الطَّبِيبُ وَلَمْ يَمُتْ بِالدَّاءِ

يَا مَوْتُ أَقْرَبُ مَنْ يَكُون عَلَى الْفَتَى ** تُلْقِيهِ فِي الصَّعْقَاءِ وَالرَّمْضَاءِ

يَا مَوْتُ مَا لَكَ لا تُبَقِّي مَاجِدًا ** يَا هَاذِمَ اللَّذَاتِ وَالسَّرَاءِ

يَا فِتْنَةَ الأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ يَا ** مُسْتَهْلِكَ الشُّرَفَاءِ وَالْخُلَفَاءِ

يَا حَسْرَةَ الظُّرَفَاءِ وَاللُّطَفَاءِ يَا ** مُسْتَأْصَلَ النُّبَلاءِ وَالنُّجَبَاءِ

الْمَوْتُ حَتْمٌ يَوْم بِأَنِّي وَعْدُهُ ** مَا وَعْدُهُ وَعْدًا بِغَيْرِ فَاءِ

كَمْ فَلَّ جَيْشًا كَمْ رَمَى مِنْ أَسْهُمٍ ** كَمْ فَضَّ شَمْلاً كَمْ قَضَى بِعَزَاءِ

كَمْ خَصَّ طِفْلاً كَمْ كَوَى مِنْ وَالِدٍ ** كَمْ هَدَّ رُكْنًا بَعْدَ دَكِّ بِنَاءِ

كَمْ فَضَّ نَفْسًا كَمْ بَرَى مِنْ حَاكِمٍ ** مِنْ بَعْدِ عِزٍّ قَائِمٍ وَحِصَاءِ

لا عِزَّ لِلدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ أَهْلُهَا ** دَارِ الْفَنَا لَيْسَتْ بِدَارِ بَقَاءِ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى ** مِنْ صَفْوَةُ الْفُصَحَاءِ وَالنُّجَبَاءِ

وَالآلِ وَالأَصْحَابِ أَعْلامِ الْهُدَى ** مَا سَارَ رَكْبُ الْحَجِ فِي الْبَطْحَاء

اللَّهُمَّ ارحم عبادًا غرهم طول إمهالك وأطمعهم دوام إفضالك ومدوا أيديهم إلى كرم نوالك وتيقنوا أن لا غنى لَهُمْ عن سؤالك وَجَدَ عَلَيْنَا وعَلَيْهمْ بِرَحْمَتِكَ الواسعة وَاْغِفرْ لَنَا وَلَهُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
موعظة:
اسمَعَ يا من يسعى لقاعد، ويسهر لراقَدْ، ويحرس لراصد، ويزرع لحاصد، ويبخل لباذل، ويجوع لآكل.
وَذِي حِرْصٍ تَرَاهُ يُلِمُّ وَفْرًا ** لِوَارِثِهِ وَيَدْفَعُ عَنْ حِمَاهُ

كَكَلْبِ الصَّيْدِ يُمْسِكُ وَهُوَ طَاوٍ ** فَرِيسَهُ لِيَأْكُلَهَا سِوَاهُ

آخر:
يُفْنِي الْبَخِيلُ بِجَمْعِ الْمَالِ مُدَّتَهُ ** وَلِلْحَوَادِثِ وَالْوُرَّاثِ مَا يَدَعُ

كَدُودَةِ الْقَرِّ مَا تَبْنِيهِ يَهْدِمُهَا ** وَغَيْرُهَا بِالَّذِي تَبْنِيهِ يَنْتَفِعُ

اسمَعَ يا غَافِل لَيْسَ بمغفول عَنْهُ، عن قليل ينهد ركناك وفي القبر سكناك، قلب قاسي كقُلُوب الكفار حرص كحرص الفار ينقب بالأظفار.
قل لي ما موقفك إذا وقعت الواقعة وقرعت القارعة وأزف لك الرحيل إلى قبرك واجتمَعَ الغسال والغسيل والعائد يغمز عينيه، والْحَبِيب يقلب كفيه.
حتى إذا انقطع نفسك وحثى على جدثك، وانطوى زمانك وخوي جثمانك وأخرجت من منزلك الَّذِي بنيته وتركت مالك الَّذِي جمعته وأبقيته.
أينفعك حينئذٍ حلال أصبته ومنعته، أو حرام غصبته أو نشب حصنته أو ولد حضنته، أو ربع أسسته، أو حطام حرسته، أو أرضًا حوشتها.
كلا لا ينفعك إِلا خَيْر لوجه الله أمضيته، أو خصم أرضيته، أو قريب وصلته وأعطيته، أو والدة أو والد بريته.
انتبه يا نائم واستقم يا قائم وأكثر من الزَادَ فإن الطَرِيق بعيد والبحر عميق وخفف الحمل فإن الصراط دقيق وأخلص الْعَمَل فإن الناقَدْ بصير.
وأخر نومك إلى القبر وفرحك إلى الميزان وشهواتك وراحتك إلى الآخِرَة ولذاتك إلى الحور العين.
وتقرب إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلا بحب أَهْل الطاعة وبغض أَهْل المعاصي واهجرهم وتباعد عنهم وَاحْذَر وحَذِّر عنهم واسأل ربك الثبات على الإِيمَان حتى الْمَمَات.
ومن كلام بَعْضهمْ أما تسمعون أيها النَّاس داعي الموت يدعوَكَمْ، وحاديه يحدوَكَمْ أما ترون صرعاه في منازلكم وقتلاه بين أيديكم ففيم التصامم عن الداعي والتشاغل عن الحادي والتعامي عن مصارع القتلى والتغَافِل عن مشاهدة الهلكى، فرحم الله امرأً أيقظ نَفْسهُ في مهلة الحياة قبل أن توقظه روعة الْمَمَات، واستعد لما هُوَ آت قبل الانبتات، وحلول الفوات، وكأن الحكم قَدْ وقع والخطاب قَدْ ارتفع، أعرض من أعرض وسمَعَ من سمَعَ.
قَطَعْتُ زَمَانِي حِينًا فَحِينَا ** أُدِير مِن اللَّهْوِ فِيهِ فُنُونَا

وَأَهْمَلْتُ نَفْسِي وَمَا أهْمِلَتْ ** وَهَوَّنْتَ مِنْ ذَاكَ مَا لَمْ يَهُونَا

وَرُبَّ سُرُورٍ شَفَى غَلَّةً ** وَوَلَّى فَأعْقَبَ حُزْنًا رَصِينَا

وَكَمْ آكِلُ سَاعَةٍ مَا يُرِيد ** يُكَابِدُ مَا أَوْرَثْتَهُ سِنِينَا

وَمَا كَانَ أَغْنَى الْفَتَى عَنْ نَعِيمٍ ** يَعُودُ عَلَيْهِ عَذَابًا مُهِينَا

وَكَمْ وَعَظَتْنِي عِظَاةُ الزَّمَانِ ** لَوْ أَنِّي أُصِيخ إِلَى الْوَاعِظِينَا

وَكَمْ دَعَانِي دَاعِي الْمَنُونِ ** وَأَسْمَعَ لَوْ كُنْتَ فِي السَّامِعِينَا

وَمَاذَا أؤمِّلُ أَوْ أَرْتَجِيه ** وَقَدْ جُزْتُ سَبْعًا عَلَى الأَرْبَعِينَا

فَلَوْ كَانَ عَقْلِي مَعِي حَاضِرًا ** سَمِعْتُ لَعَمْرِي مِنْهُ أَنِينَا

وَلَنْ يَبْرَحَ الْمَرْءُ فِي رَقْدَةٍ ** يَغِطُّ إِلَى أَنْ يُوَافِي الْمَنُونَا

فَتُوقِظُهُ عِنْدَهَا رَوْعَةٌ ** يُقَطِّعُ مِنْهُ هُنَاكَ الْوَاتِينَا

وَإِذْ ذَاكَ يَدْرِي بِمَا كَانَ فِيهِ ** وَتَجْلُو الْحَقَائِقُ مِنْهُ الظُّنُونَا

اللَّهُمَّ أنظمنا في سلك حزبك المفلحين، وَاجْعَلْنَا مِنْ عبادك المخلصين وآمنا يوم الفزع الأكبر يوم الدين، واحشرنا مَعَ الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل: قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ:
إِذَا طَلَعَتْ شَمْسُ النَّهَارَ فَإِنَّهَا ** أَمَّارَةُ تَسْلِيمِي عَلَيْكُمْ فَسَلِّمُوا

سَلامٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ ** وَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَفَضْلٌ وَأَنْعُمُ

عَلَى الصَّحْبِ وَالإِخْوَانِ وَالْوِلْدِ وَالألى ** رَعَاهُمُ بِإِحْسَانٍ فَجَادُوا وَأَنْعَمُوا

وَسَائِرِ من لِلسُّنَّةِ الْمَحْضَةِ اقْتَفَى ** وَمَا زَاغَ عَنْهَا فَهُوَ حَقٌّ مُقَوَّمُ

أُولَئِكَ أَتْبَاعُ النَّبِيِّ وَحِزْبِهِ ** وَلَوْلاهُمُ مَا كَانَ فِي الأَرْضِ مُسْلِمُ

وَلَوْلاهُمُ كَادَتْ تَمِيدُ بِأَهْلِهَا ** وَلَكِنْ رَوَاسِيهَا وَأَوْتَادُهَا هُمُ

وَلَوْلاهُمُ كَانَتْ ظَلامًا بِأَهْلِهَا ** وَلاكِنَّهُمْ فِيهَا بِدُورٌ وَأَنْجُمُ

أُولَئِكَ أَصْحَابِي فَحَيَّ هَلاً بِهُمْ ** وَحَيَّ هَلاً باِلطَّيِّبِينَ وَأَنْعُمُ

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ سَلامٌ يَخُصُّهُ ** يُبَلِّغُهُ الأَدْنَى إليه وَيَنْعَمُ

فَيَا مُحْسِنًا بَلِّغْ سَلامِي وَقُلْ لَهُمْ ** مُحِبُّكُمُ يَدْعُو لَكُمْ وَيُسَلِّمُ

وَيَا لائِمِي فِي حُبِّهِمْ وَوَلائِهِمْ ** تَأَمَّلْ هَدَاكَ اللهُ مَنْ هُوَ أَلْوَمُ

بَأَيِّ دَلِيلٍ أَمْ بِأَيَّةِ حُجَّةٍ ** تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ وَتَنْقِمُ

وَمَا الْعَارُ إِلا بُغْضُهُمْ وَاجْتِنَابُهُمْ ** وَحُبُّ عِدَاهُمْ ذَاكَ عَارٌ وَمَأْثَمُ

أَمَا وَالَّذِي شَقَّ الْقُلُوبَ وَأَوْدَعَ الْـ ** مَحَبَّةَ فِيهَا حَيْثُ لا تَتَصَرَّمُ

وَحَمَّلَهَا قَلْبَ الْمُحِبِّ وَإِنَّهُ ** لِيَضْعُفُ عَنْ حَمْلِ الْقَمِيصِ وَيَأْلَمُ

وَذَلَّلَهَا حَتَّى اسْتَكَانَتْ لِصَوْلَةِ الْـ ** مَحَبَّةِ لا تَلْوِي وَلا تَتَلَعْثَمُ

وَذَلَّلَ فِيهَا أَنْفُسًا دُونَ ذُلِّهَا ** حِيَاضُ الْمَنَايَا فَوْقَهَا وَهِيَ حُوَّمُ

لأَنْتُمْ عَلَى قُرْبِ الدِّيَارِ وَبُعْدِهَا ** أَحِبَّتُنَا إِنْ غِبْتُمُ أَوْ حَضَرْتُمُ

سَلُوا نَسَمَاتِ الرِّيحِ كَمْ قَدْ تَحَمَلَتْ ** مَحَبَّةَ صَبِّ شَوْقِهِ لَيْسَ يُكْتَمُ!!

وَشَاهِدُ هَذَا أَنَّهَا فِي هَبُوبِهَا ** تَكَادُ تَبُثُّ الْوِجْدَ لَوْ تَتَكَلَّمُ

وَكُنْتُ إِذَا مَا اشْتَدَّ بِي الشَّوْقُ وَالْجَوَى ** وَكَادَتْ عُرَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ تَفَصَّمُ

أُعَلِّلُ نَفْسِي بِالتَّلاقِي وَقُرْبِهِ ** وَأُوْهِمُهَا لَكِنَّهَا تَتَوَهَّمُ

وَأُتْبِعُ طَرْفِي وِجْهَةً أَنْتُمُ بِهَا ** فَلِي بِحِمَاهَا مَرْبَعٌ وَمُخَيَّمُ

وَأَذْكُرُ بَيْتًا قَاله بَعْضُ مَنْ خَلا ** وَقَدْ ضَلَّ عَنْهُ صَبْرُهُ فَهُوَ مُغْرَمُ

أُسْائِلُ عَنْكُمْ كُلَّ غَادٍ وَرَائِحٍ ** وَأُومِي إِلَى أَوْطَانِكُمْ وَأُسَلِّمُ

وَكَمْ يَصْبِرِ الْمُشْتَاقُ عَمَّنْ يُحِبُّهُ ** وَفِي قَلْبهُ نَارُ الأَسَى تَتَضَرَّمُ

أَمَّا وَالَّذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ ** وَلَبُّوا لَهُ عِنْدَ الْمَهَلِّ وَأَحْرَمُوا

وَقَدْ كَشَفُوا تِلْكَ الرُّؤُوسِ تَوَاضُعًا ** لِعِزَّةِ مَنْ تَعْنُوا الْوُجُوهُ وَتَسْلِمُ

يُهِلُّونَ بِالْبِيدَاءِ لَبَّيْكَ رَبَّنَا ** لَكَ الْمُلْكُ وَالْحَمْدُ الَّذِي أَنْتَ تَعْلَمُ

دَعَاهُمْ فَلَبُّوه رِضىً وَمَحَبَّةً ** فَلَمَّا دَعَوْهُ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُمُ

تَرَاهُمْ عَلَى الإِنْضَاءِ شُعْثًا رُؤُوسُهُمْ ** وَغُبْرًا وَهُمْ فِيهَا أَسَرُّ وَأَنْعَمُ

وَقَدْ فَارَقُوا الأَوْطَانَ وَالأَهْلَ رَغْبَةً ** وَلَمْ يَثْنِهِمْ لَذَّاتُهُمْ وَالتَّنَعُّمُ

يَسِيرُونَ مِنْ أَقْطَارِهَا وَفِجَاجِهَا ** رِجَالاً وَرُكْبَانًا وَلله أَسْلَمُوا

وَلَمَّا رَأَتْ أَبْصَارُهُمْ بَيْتَهُ الَّذِي ** قُلُوبُ الْوَرَى شَوْقًا إليه تَضَرَّمُ

كَأَنَّهُمْ لََمْ يَنْصِبُوا قَطُّ قَبْلَهُ ** لأَنَّ شَقَاهُمْ قَدْ تَرَحَّلَ عَنْهُمُ

فَلِلَّهِ كَمْ مِنْ عِبْرَةٍ مُهَرَاقَةٍ ** وَأُخْرَى عَلَى آثَارِهَا تَتَقَدَّمُ

وَقَدْ شَرِقَتْ عَيْنُ الْمُحِبِّ بِدَمْعِهَا ** فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ وَيُسْجِمُ

إِذَا عَايَنَتْهُ الْعَيْنُ زَالَ ظَلامُهَا ** وَزَالَ عَنِ الْقَلْبِ الْكَئِيبِ التَّأَلُّمُ

وَلا يَعْرِفُ الطَّرْفُ الْمُعَاينُ حُسْنَهُ ** إِلَى أَنْ يَعُودَ الطَّرْفُ وَالشَّوْقُ أَعْظَمُ

وَلا عَجَبٌ مِنْ ذَا فَحِينَ أَضَافَهُ ** إِلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَنُ فَهُوَ الْمُعَظَّمُ

كَسَاهُ مِنَ الإِجْلالِ أَعْظَمَ حُلَّةٍ ** عَلَيْهَا طِرَازٌ بِالْمَلاحَةِ مُعْلَمُ

فَمِنْ أَجْلِ ذَا كُلُّ الْقُلُوبِ تُحِبُّهُ ** وَتَخْضَعُ إِجْلالاً لَهُ وَتُعَظِّمُ

وَرَاحُوا إِلَى التَّعْرِيفِ يَرْجُونَ رَحْمَةً ** وَمَغْفِرَةً مِمَّنْ يَجُودُ وَيُكْرِمُ

فَلِلَّهِ ذَاكَ الْمَوْقِفُ الأَعْظَمُ الَّذِي ** كَمَوْقِفِ الْعَرْضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ

وَيَدْنُو بِهِ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلاله ** يُبَاهِي بِهِمْ أَمْلاكَهُ فَهُوَ أَكْرَمُ

يَقُولُ عِبَادِي قَدْ أَتَوْنِي مَحَبَّةً ** وَإِنِّي بِهِمْ بَرٌّ أَجْوَدُ وَأَرْحَمُ

فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُمْ ** وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا أَمَّلُوهُ وَأَنْعَمُ

فَبُشْرَاكُمْ يَا أَهْلَ ذَا الْمَوْقِفِ الَّذِي ** بِهِ يَغْفِرُ اللهُ الذُّنُوبَ وَيَرْحَمُ

وَمَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ أَغْيَظُ فِي الْوَرَى ** وَأَحْقَرَ مِنْهُ عِنْدَهَا وَهُوَ الأَمُ

وَذَاكَ لأَمْرٍ قَدْ رَآهُ فَغَاظَهُ ** فَأَقْبَلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظًا وَيَلْطِمُ

وَمَا عَايَنْتَ عَيْنَاهُ مِنْ رَحْمَةٍ أَتَتْ ** وَمَغْفِرَةٍ مِنْ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ تُقْسَمُ

بَنَى مَا بَنَى حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ ** تَمَكَّنَ مِنْ بُنْيَانِهِ فَهُوَ مُحْكَمُ

أَتَى اللهُ بُنْيَانًا لَهُ مِنْ أَسَاسِهِ ** فَخَرَّ عَلَيْهِ سَاقِطًا يَتَهَدَّمُ

وَكَمْ قَدْرَ مَا يَعْلُوا الْبِنَاءُ وَيَنْتَهِي ** إِذَا كَانَ يَبْنِيهِ وَذُو الْعَرْشِ يَهْدِمُ!!

وَرَاحُوا إِلَى جَمْعٍ فَبَاتُوا بِمَشْعَرِ الْـ ** حَرَامِ وَصَلُّوا الْفَجْرَ ثُمَّ تَقَدَّمُوا

إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى يُرِيدُونَ رَمْيَهَا ** لِوَقْتِ صَلاةِ الْعِيدِ ثُمَّ تَيَمَّمُوا

مَنَازِلَهُمْ لِلنَّحْرِ يَبْغُونَ فَضْلَهُ ** وَإِحْيَاءَ نُسْكٍ مِنْ أَبِيهِم يُعَظَّمُ

فَلَوْ كَانَ يُرْضِي اللهَ نَحْرُ نُفُوسِهِمْ ** لَدَانُوا بِهِ طَوْعًا وَلِلأَمْرِ سَلَّمُوا

كَمَا بَذَلُوا عِنْدَ الْجِهَادِ نُحُورَهُمْ ** لأَعْدَائِهِ حَتَّى جَرَى مِنْهُمْ الدَّمُ

وَلَكِنَّهُمْ دَانُوا بِوَضْعِ رُؤُوسِهِمْ ** وَذَلِكَ ذُلٌّ لِلْعَبِيدِ وَمِيسَمُ

وَلَمَّا تَقَضَّوْا ذَلِكَ التَّفَثَ الَّذِي ** عَلَيْهمْ وَأَوْفُوا نَذْرَهُمْ ثُمَّ تَمَّمُوا

دَعَاهُمْ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ زِيَارَةً ** فَيَا مَرْحَبًا بِالزَّائِرِينَ وَأَكْرِمُ

فَلِلَّهِ مَا أَبْهَى زِيَارَتَهُمْ لَهُ!! ** وَقَدْ حُصِّلَتْ تِلْكَ الْجَوَائِزُ تُقْسَمُ

وَللهِ إِفْضَالُ هُنَاكَ وَنِعْمَةٌ ** وَبِرٌّ وَإِحْسَانٌ وَجُودٌ وَمَرْحَمُ

وَعَادُوا إِلَى تِلْكَ الْمَنَازِلِ مِنْ مِنَى ** وَنَالُوا مُنَاهُمْ عِنْدَهَا وَتَنَعَّمُوا

أَقَامُوا بِهَا يَوْمًا وَيَوْمًا ثَالِثًا ** وَأُذِّنَ فِيهِمْ بِالرَّحِيلِ وَأُعْلِمُوا

وَرَاحُوا إِلَى رَمْيِ الْجِمَارِ عَشِيَّةً ** شِعَارُهُمْ التَّكْبِيرُ وَاللهُ مَعْهُمُ

فَلَوْ أَبْصَرْتَ عَيْنَاكَ مَوْقِفَهُمْ بِهَا ** وَقَدْ بَسَطُوا تِلْكَ الأَكُفَّ لِيُرْحَمُوا

يُنَادُونَهُ يَا رَبُّ يَا رَبُّ إِنَّنَا ** عَبِيدُكَ لا نَدْعُو سِوَاكَ وَتَعْلَمُ

وَهَا نَحْنُ نَرْجُو مِنْكَ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ ** فَأَنْتَ الَّذِي تُعْطِي الْجَزِيلَ وَتُنْعِمُ

وَلَمَّا تَقَضَّوْا مِنْ مِنَى كُلَّ حَاجَةٍ ** وَسَالَتْ بِهِمْ تِلْكَ الْبِطَاحُ تَقَدَّمُوا

إِلَى الْكَعْبَةِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ عَشِيَّةً ** وَطَافُوا بِهَا سَبْعًا وَصَلُّوا وَسَلَّمُوا

وَلَمَّا دَنَا التَّوْدِيعُ مِنْهُمْ وَأَيْقَنُوا ** بِأَنَّ التَّدَانِي حَبْلُهُ مُتَصَرِّمُ

وَلَمْ يَبْقَ إِلا وَقْفَةٌ لِمُوَدِّعٍ ** فَلِلَّهِ أَجْفَانٌ هُنَالِكَ تَسْجُمُ!!

وَللهِ أَكْبَادٌ هُنَالِكَ أُودِعَ الْـ ** غَرَامُ بِهَا!! فَالنَّارُ فِيهَا تَضَرَّمُ

وَللهِ أَنْفَاسٌ يَكَادُ بِحَرِّهَا ** يَذُوبُ الْمُحِبُّ الْمُسْتَهَامُ الْمُتَيَّمُ

فَلَمْ تَرَ إِلا بَاهِتًا مُتَحَيِّرًا ** وَآخِرَ يُبْدِي شَجْوَهُ يَتَرَنَّمُ

رَحَلْتُ وَأَشْوَاقِي إليكُمْ مُقِيمَةٌ ** وَنَارُ الأَسَى مِنِّي تُشَبُّ وَتُضْرَمُ

أُوَدِّعُكُمْ وَالشَّوْقُ يَثْنِي أَعِنَّتِي ** وَقَلْبِي أَمْسَى فِي حِمَاكُمْ مُخَيِّمُ

هُنَالِكَ لا تَثْرِيبَ يَوْمًا عَلَى امْرِئٍ ** إِذَا مَا بَدَا مِنْهُ الَّذِي كَانَ يَكْتُمُ

فَيَا سَائِقِينَ الْعَيْسَ بِاللهِ رَبِّكُمْ ** قِفُوا لِي عَلَى تِلْكَ الرُّبُوعِ وَسَلِّمُوا

وَقُولُوا مُحِبٌّ قَادَهُ الشَّوْقُ نَحْوَكُمْ ** قَضَى نَحْبَهُ فِيكُمْ تَعِيشُوا وَتَسْلَمُوا

قَضَى اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ فِيمَا قَضَى بِهِ ** بِأَنَّ الْهَوَى يُعْمِي الْقُلُوبَ وَيُبْكِمُ

وَحُبُّكُمْ أَصْلُ الْهُدَى وَمَدَارُهُ ** عَلَيْهِ وَفَوْزٌ لِلْمُحِبِّ وَمَغْنَمُ

وَتَفْنَى عِظَامُ الصَّبِّ بَعْدَ مَمَاتِهِ ** وَأَشْوَاقُهُ وَقْفٌ عَلَيْهِ مُحَرَّمُ

فَيَا أَيُّهَا الْقَلْبُ الَّذِي مَلَكَ الْهَوَى ** أَزِمَّتَهُ حَتَّى مَتَى ذَا التَّلوُّمُ؟!

وَحَتَّامَ لا تَصْحُوا؟! وَقَدْ قَرُبَ الْمَدَى ** وَدُنَّتْ كُؤُوسُ السَّيْرِ وَالنَّاسُ نُوَّمُ

بَلَى سَوْفَ تَصْحُو حِينَ يَنْكَشِفُ الْغِطَا ** وَيَبْدُو لَكَ الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ تَكْتُمُ

وَيَا مُوقِدًا نَارًا لِغَيْرِكَ ضَوْؤُهَا ** وَحَرُّ لَظَاهَا بَيْنَ جَنْبَيْكَ يُضْرَمُ

أَهَذَا جَنَى الْعِلْمِ الَّذِي قَدْ رَضِيتَهُ ** لِنَفْسِكَ فِي الدَّارَيْنِ جَاهٌ وَدِرْهَمُ؟!

وَهَذَا هُوَ الرِّبْحُ الَّذِي قَدْ كَسَبْتَهُ؟! ** لعَمْرُكَ لا رِبْحٌ وَلا الأَصْلُ يَسْلَمُ!!

بَخِلْتَ بِشَيْءٍ لا يَضُرُّكَ بَذْلُهُ ** وَجُدْتَ بِشَيْءٍ مِثْلُهُ لا يَقُومُ

بَخِلْتَ بِذَا الْحَظِّ الْخَسِيسِ دَنَاءَةً ** وَجُدْتَ بِدَارِ الْخُلْدِ لَوْ كُنْتَ تَفْهَمُ

وَبِعْتَ نَعِيمًا لا انْقِضَاءَ لَهُ وَلا ** نَظِيرَ بِبَخْسٍ عَن قَلِيلٍ سَيُعْدَمُ

فَهَلا عَكَسْتَ الأَمْرِ إِنْ كُنْتَ حَازِمًا ** وَلَكِنْ أَضَعْتَ الْحَزْمَ لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ

وَتَهْدِمُ مَا تَبْنِي بِكَفِّكَ جَاهِدًا ** فأَنْتَ مَدَى الأَيَّامِ تَبْنِي وَتَهْدِمُ

وَعِنْدَ مُرَادِ اللهِ تَفْنَى كَمَيِّتٍ ** وعِنْدَ مُرَادِ النَّفْسِ تُسْدِي وَتُلْحِمُ

وَعِنْدَ خِلافِ الأَمْرِ تَحْتَجُّ بِالْقَضَا ** ظَهِيرًا عَلَى الرَّحْمَنِ لِلْجَبْرِ تَزْعُمُ

تَنَزَّهُ مِنْكَ النَّفْسُ عَنْ سُوءِ فِعْلِهَا ** وَتَعْتِبُ أَقْدَارَ الإِلَهِ وَتَظْلِمُ

تَحُلُّ أُمُورًا أَحْكَمَ الشَّرْعُ عَقْدَهَا ** وَتَقْصُدُ مَا قَدْ حَلَّهُ الشَّرْعُ تُبْرِم

وَتَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ خِلافَ مَا ** أَرَادَ لأَنْ الْقَلْبَ مِنْكَ مُعَجَّمُ

مُطِيعٌ لِدَاعِي الْغَيِّ عَاصٍ لِرُشْدِهِ ** إِلَى رَبِّهِ يَوْمًا يُرَدُّ وَيَعْلَمُ

مُضِيعُ لأَمْرِ اللهِ قَدْ غَشَّ نَفْسَهُ ** مُهِينٌ لَهَا أَنَّى يُحِبُّ وَيُكْرَمُ

بَطِيءٌ عَنْ الطَّاعَاتِ أَسْرَعُ لِلْخَنَا ** مِنَ السَّيْلِ فِي مَجْرَاهُ لا يَتَقَسَّمُ

وَتَزْعُمُ مَعَ هَذَا بِأَنَّكَ عَارِفٌ ** كَذَبْتَ يَقِينًا بِالَّذِي أَنْتَ تَزْعُمُ

وَمَا أَنْتَ إِلا جَاهِلٌ ثُمَّ ظَالِمٌ ** وَأَنَّكَ بَيْنَ الْجَاهِلِينَ مُقَدَّمُ

إِذَا كَانَ هَذَا نُصْحُ عَبْدٍ لِنَفْسِهِ ** فَمَنْ ذَا الَّذِي مِنْهُ الْهُدَى يُتَعَلَّمُ؟!

وَفِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ قَدْ قَالَ مَنْ مَضَى ** وَأَحْسَنَ فِيمَا قَاله الْمُتَكَلِّمُ

فَإِنْ كُنْتَ لا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ** وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ

وَلَوْ تُبْصِرُ الدُّنْيَا وَرَاءَ سُتُورِهَا ** رَأَيْتَ خَيالاً فِي مَنَامٍ سَيُصْرَمُ

كَحُلْمٍ بِطَيْفٍ زَارَ فِي النَّوْمِ وَانْقَضَى الْـ ** مَنَامُ وَرَاحَ الطَّيْفُ وَالصَّبُّ مُغْرَمُ

وَظِلٍّ أَرَتْهُ الشَّمْسَ عِنْدَ طُلُوعِهَا ** سَيَقْلُصُ فِي وَقْتِ الزَّوَالِ وَيَفْصِمُ

وَمُزْنَةِ صَيْفٍ طَابَ مِنْهَا مَقِيلُهَا ** فَوَلَّتْ سَرِيعًا وَالْحُرُورُ تَضَرَّمُ

وَمَطْعَمِ ضَيْفٍ لَذَّ مِنْهُ مَسَاغُهُ ** وَبَعْدَ قَلِيلٍ حَاله تِلْكَ تُعْلَمُ

كَذَا هَذِهِ الدُّنْيَا كَأَحْلامِ نَائِمٍ ** وَمِنْ بَعْدِهَا دَارُ الْبَقَاءِ سَتَقْدَمُ

فَجُزْهَا مَمَرًّا لا مَقَرًّا وَكُنْ بِهَا ** غَرِيبًا تَعْشِ فِيهَا حَمِيدًا وَتَسْلَمُ

أَوْ ابْنَ سَبِيلٍ قَالَ فِي ظِلِّ دَوْحَةٍ ** وَرَاحَ وَخَلَّى ظِلَّهَا يَتَقَسَّمُ

أَخَا سَفَرٍ لا يَسْتَقِرُّ قَرَارُهُ ** إِلَى أَنْ يَرَى أَوْطَانَهُ وَيُسْلِّمُ

فَيَا عَجَبًا!! كَمْ مَصْرَعٌ وَعَظَتْ بِهِ ** بَنِيهَا!! وَلَكِنْ عَنْ مَصَارِعِهَا عَمُوا

سَقَتْهُمْ كُؤُوسَ الْحُبِّ حَتَّى إِذَا نَشَوْا ** سَقَتْهُمْ كُؤُوسَ السُّمِّ وَالْقَوْمُ نُوَّمُ

وَأَعْجَبُ مَا فِي الْعَبْدِ رُؤْيَةُ هَذِهِ الْـ ** عَظَائِمِ وَالْمَغْرُورُ فِيهَا مُتَيَّمُ

وَمَا ذَاكَ إِلا أَنَّ خَمْرَةَ حُبِّهَا ** لَتَسْلِبُ عَقْلَ الْمَرْءِ مِنْهُ وَتَصْلِمُ

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَا أَنَّ أَحْبَابَهَا الأُلَى ** تَهِينُ وَلِلأَعْدَا تُرَاعِي وَتُكْرِمُ

وَذَلِكَ بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ قَدْرَهَا ** جَنَاحُ بَعُوضٍ أَوْ أَدَقَّ وَأَلأَمُ

وَحَسْبُكَ مَا قَالَ الرَّسُولُ مُمَثِّلاً ** لَهَا وَلِدَارِ الْخُلْدِ وَالْحَقُّ يُفْهَمُ

كَمَا يُدْلِيَ الإِنْسَانُ فِي اليمِّ أَصْبُعًا ** وَيَنْزِعُهَا مِنْهُ فَمَا ذَاكَ يَغْنَمُ

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ** عَلَى حَذَرٍ مِنْهَا وَأَمْرِي مُبْرَمُ

وَهَلْ أَرِدَن مَاءَ الْحَيَاةِ وَأَرْتَوِي ** عَلَى ظَمَأٍ مِنْ حَوْضِهِ وَهُوَ مُفْعَمُ

وَهَلْ تَبْدُونَ أَعْلامُهَا بَعْدَ مَا سَفَتْ ** عَلَى رَبْعِهَا تِلْكَ السَّوَافِي فَتُعْلَمُ

وَهَلْ أَفْرِشَنْ خَدِّي ثَرَى عَتَبَاتِهِمْ ** خُضُوعًا لَهُمْ كَيْمَا يَرِقُّوا وَيَرْحَمُوا

وَهَلْ أَرْمِينَ نَفْسِي طَرِيحًا بِبَابِهِمْ ** وَطَيْرُ مَنَايَا الْحُبِّ فَوْقِي تُحَوِّمُ

فَيَا أَسَفِي تَفْنَى الْحَيَاةُ وَتَنْقَضِي ** وَذَا الْعُتْبُ بَاقٍ مَا بَقِيتُمْ وَعِشْتُمُ

فَمَا مِنْكُمُ بُدَّ وَلا عَنْكُمُ غِنَى ** وَمَا لِي مِنْ صَبْرٍ فَأَسْلُوَ عَنْكُمُ

وَمَنْ شَاءَ فَلْيَغْضَبْ سِوَاكُمْ فَلا إذًا ** إِذَا كُنْتُمُ عَنْ عَبْدِكُمْ قَدْ رَضِيتُمُ

وَعُقْبَى اصْطِبَارِي فِي هَوَاكُمْ حَمِيدَةٌ ** وَلَكِنَّهَا عَنْكُمْ عِقَابٌ وَمَأْثَمُ

وَمَا أَنَا بِالشَّاكِي لِمَا تَرْتَضُونَهُ ** وَلَكِنَّنِي أَرْضَى بِهِ وَأُسَلَّمُ

وَحَسْبِي انْتِسَابِي مِنْ بَعِيدٍ إليكُمُ ** أَلا إِنَّهُ حَظٌّ عَظِيمٌ مُفَخَّمُ

إِذَا قِيلَ هَذَا عَبْدُهُمْ وَمُحِبُّهُمْ ** تَهَلَّلَ بِشْرًا وَجْهُهُ يَتَبَسَّمُ

وَهَا هُوَ قَدْ أَنْدَى الضَّرَاعَةَ سَائِلاً ** لَكُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْقَالِ مُعْلِمُ

أَحِبَّتَهُ عَطْفًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ** لَمُظْمىً وَإِنَّ الْمَوْرِدَ الْعَذْبَ أَنْتُمُ

فَيَا سَاهِيًا فِي غَمْرَةِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى ** صَرِيعَ الأَمَانِي عَنْ قَرِيبٍ سَتَنْدَمُ

أَفِقْ قَدْ دَنَا الوَقْتُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ ** سِوَى جَنَّةٍ أَوْ حَرٍّ نَارٍ تَضَرَّمُ

وَبِالسُّنَّةِ الْغَرَّاءِ كُنْ مُتَمَسِّكًا ** هِيَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى الَّتِي لَيْسَ تُفْصَمُ

تَمَسَّكَ بِهَا مَسْكَ الْبَخِيلِ بِمَاله ** وَعُضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ تَسْلَمُ

وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَهَا ** فَمُرْتَعُ هَاتِيكَ الْحَوَادِثِ أَوْخَمُ

وَهَيِءْ جَوَابًا عِنْدَمَا تَسْمَعُ النِّدَا ** مِنَ اللهِ يَوْمَ الْعَرْضِ مَاذَا أَجَبْتُمُ

بِهِ رُسُلِي لَمَّا أَتَوْكُمْ فَمَنْ يَكُنْ ** أَجَابَ سِوَاهُمْ سَوْفَ يُخْزَى وَيَنْدَمُ

وَخُذْ مِنْ تُقَى الرَّحْمَنِ أَعْظَمَ جُنَّةٍ ** لِيَوْمٍ بِهِ تَبْدُو عِيَانًا جَهَنَّمُ

وَيُنْصَبُ ذَاكَ الْجِسْرُ مِنْ فَوْقِ مَتْنِهَا ** فَهَاوٍ وَمَخْدُوشٌ وَنَاجٍ مُسَلَّمُ

وَيَأْتِي إِلَهُ الْعَالَمِينَ لِوَعْدِهِ ** فَيَفْصُلُ مَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَحْكُمُ

وَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ رَبُّكَ حَقَّهُ ** فَيَا بُؤْسَ عَبْدٍ لِلْخَلائِقِ يَظْلِمُ!!

وَيُنْشَرُ دِيوَانُ الْحِسَابِ وَتُوضَعُ الْـ ** مَوَازِينُ بِالْقِسْطِ الَّذِي لَيْسَ يَظْلِمُ

فَلا مُجْرِمٌ يَخْشَى ظَلامَةَ ذَرَّةٍ ** وَلا مُحْسِنٌ مِنْ أَجْرِهِ ذَاكَ يُهْضَمُ

وَتَشْهَدُ أَعْضَاءُ الْمُسِيءِ بِمَا جَنَى ** كَذَاكَ عَلَى فِيهِ الْمُهَيْمِنُ يَخْتِمُ

فَيَا لَيْتَ شِعْرِي!! كَيْفَ حَالُكَ عِنْدَمَا ** تَطَايَرُ كُتُبُ الْعَالَمِينَ وَتُقْسَمُ؟!

أَتَأْخُذُ بِاليمْنَى كِتَابِكَ أَمْ تَكُنْ ** بِالأُخْرَى وَرَاءَ الظَّهْرِ مِنْكَ تَسَلَّمُ

وَتقْرَأُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ عَمِلْتَهُ ** فَيُشْرِقُ مِنْكَ الْوَجْهُ أَوْ هُوَ يُظْلِمُ

تَقُولُ كِتَابِي فَاقْرَؤُوهُ فَإِنَّهُ ** يُبَشِّرُ بِالْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَيُعْلِمُ

وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنَّكَ قَائِلٌ ** أَلا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَهُ فَهُوَ مُغْرَمُ

فَبَادِرْ إِذَا مَا دَامَ فِي الْعُمْرِ فُسْحَةٌ ** وَعَدْلُكَ مَقْبُولُ وَصَرْفُكَ قَيِّمُ

وَجُدَّ وَسَارِعْ وَاغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا ** فَفِي زَمَنِ الإِمْكَانَ تَسْعَى وَتَغْنَمُ

وَسِرْ مُسْرِعًا فَالسَّيْلُ خَلْفُكَ مُسْرِعٌ ** وَهَيْهَاتَ مَا مِنْهُ مَفَرٌّ وَمَهْزَمُ!!

فَهُنَّ الْمَنَايَا أَيَّ وَادٍ نَزَلْتَهُ ** عَلَيْهَا الْقُدُومُ أَوْ عَلَيْكَ سَتَقْدَمُ

وَمَا ذَاكَ إِلا غَيْرَةٌ أَنْ يَنَالَهَا ** سِوَى كُفْؤِهَا وَالرَّبُّ بِالْخَلْقِ أَعْلَمُ

وَإِنْ حُجِبَتْ عَنَّا بِكُلِّ كَرِيهَةٍ ** وَحُفَّتْ بِمَا يُؤْذِي النُّفُوسَ وَيُؤْلِمُ

فَلِلَّهِ مَا فِي حَشْوِهَا مِنْ مَسَرَّةٍ ** وَأَصْنَافِ لَذَّاتِ بِهَا يُتَنَعَّمُ!!

وَللهِ بَرْدُ الْعَيْشِ بَيْنَ خِيَامِهَا ** وَرَوْضَاتِهَا وَالثَّغْرُ فِي الرَّوْضِ يَبْسِمُ

فَلِلَّهِ وَادِيهَا الَّذِي هُوَ مَوْعِدُ الْـ ** مَزِيدِ لِوَفْدِ الْحُبِّ لَوْ كُنْتَ مِنْهُمُ

بِذَيَّالِكَ الْوَادِي يَهِيمُ صَبَابَةً ** مُحِبٌّ يَرَى أَنَّ الصَّبَابَةَ مَغْنَمُ!

وَللهِ أَفْرَاحُ الْمُحِبِّينَ عِنْدَمَا ** يُخَاطِبُهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيُسَلِّمُ

وَللهِ أَبْصَارٌ تَرَى اللهَ جَهْرَةً ** فَلا الضَّيْمُ يَغْشَاهَا وَلا هِيَ تَسْأَمُ

فَيَا نَظْرَةً أَهْدَتْ إِلَى الْوَجْهِ نَضْرَةً ** أَمِنْ بَعْدِهَا يَسْلُو الْمُحِبُّ الْمُتَيَّمُ؟

وَللهِ كَمْ مِنْ خَيْرَةٍ لَوْ تَبَسَّمَتْ ** أَضَاءَ لَهَا نُورٌ مِنْ الْفَجْرِ أَعْظَمُ

فَيَا لَذَّةَ الأَبْصَارِ إِنْ هِيَ أَقْبَلَتْ ** وَيَا لَذَّةَ الأَسْمَاعِ حِينَ تَكَلَّمُ

وَيَا خَجْلَةَ الْغُصْنِ الرَّطِيبِ إِذَا انْثَنَتْ ** وَيَا خَجْلَةَ الْبَحْرَيْنِ حِينَ تَبَسَّمُ؟؟

فَإِنْ كُنْتَ ذَا قَلْبٍ عَلِيلٍ بِحُبِّهَا ٌ ** فَلَمْ يَبْقَ إِلا وَصْلُهَا لَكَ مَرْهَمُ

وَلاسِيَّمَا فِي لَثْمِهَا عِنْدَ ضَمِّهَا ** وَقَدْ صَارَ مِنْهَا تَحْتَ جِيدِكَ مِعْصَمُ

يَرَاهَا إِذَا أَبْدَتْ لَهُ حُسْنَ وَجْهِهَا ** يَلَذُّ بِهَا قَبْلَ الْوِصَالِ وَيَنْعَمُ

تَفَكَّهُ مِنْهَا الْعَيْنُ عِنْدَ اجْتِلائِهَا ** فَوَاكِهَ شَتَّى طَلْعُهَا لَيْسَ يُعْدِمُ

عَنَاقِدُ مِنْ كَرْمٍ وَتُفَّاحُ جَنَّةٍ ** وَرُمَّانُ أَغْصَانٍ بِهَا الْقَلْبُ مُغْرَمُ

وَلِلْوَرْدِ مَا قَدْ أَلْبِسْتَهُ خُدُودُهَا ** وَلِلْخَمْرِ مَا قَدْ ضَمَّهُ الرِّيقُ وَالْفَمُ

تَقَسَّمَ مِنْهَا الْحُسْنُ فِي جَمْعِ وَاحِدٍ ** فَيَا عَجَبًا مِنْ وَاحِدٍ يَتَقَسَّمُ

تُذَكِّرُ بِالرَّحْمَنِ مَنْ هُوَ نَاظِرٌ ** فَيَنْطِقُ بِالتَّسْبِيحِ لا يَتَلَعْثَمُ

لَهَا فِرَقٌ شَتَّى مِنَ الْحُسْنِ أَجْمَعَتْ ** بِجُمْلَتِهَا إِنَّ السُّلُوَّ مُحْرَّمُ

إِذَا قَابَلَتْ جَيْشَ الْهُمُومِ بِوَجْهِهَا ** تَوَلَّى عَلَى أَعْقَابِهِ الْجَيْشُ يُهْزَمُ

فَيَا خَاطِبَ الْحَسْنَاءِ إِنْ كُنْتَ رَاغِبًا ** فَهَذَا زَمَانُ الْمَهْرِ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ

وَلَمَّا جَرَى مَاءَ الشَّبَابِ بِغُصْنِهَا ** تَيَقَّنَ حَقًّا أَنَّهُ لَيْسَ يَهْرَمُ

وَكُنْ مُبْغِضًا لِلْخَائِنَاتِ لِحُبِّهَا ** لِتُحْظَى بِهَا مِنْ دُونِهِنَّ وَتَنْعَمُ

وَكُنْ أَيَّمَا مِمَّا سِوَاهَا فَإِنَّهَا ** لِمِثْلِكَ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ تَأَيَّمُ

وَصُمْ يَوْمَكَ الأَدْنَى لَعَلَّكَ فِي غَدٍ ** تَفُوزُ بِعِيدِ الْفِطْرِ وَالنَّاسُ صُوَّمُ

وَأَقْدَمْ وَلا تَقْنَعْ بِعَيْشٍ مُنَغَّصٍ ** فَمَا فَازَ بِاللَّذَاتِ مَنْ لَيْسَ يُقْدِمُ

وَإِنْ ضَاقَتْ الدُّنْيَا عَلَيْكَ بِأَسْرِهَا ** وَلَمْ يَكُ فِيهَا مَنْزِلٌ لَكَ يُعْلَمُ

فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا ** مَنَازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا الْمُخِيَّمُ

وَلَكِنَّنَا سَبْيُ الْعَدُوِّ فَهْلَ تَرَى ** نُرَدُّ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلِّمُ

وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الْغَرِيبَ إِذَا نَأَى ** وَشَطَّتْ بِهِ أَوْطَانُهُ فَهُوَ مُغْرَمُ

وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا الَّتِي ** لَهَا أَضْحَتْ الأَعْدَاءُ فِينَا تَحَكَّمُ

وَحَيَّ عَلَى رَوْضَاتِهَا وَخِيَامِهَا ** وَحَيَّ عَلَى عَيْشٍ بِهَا لَيْسَ يَسْأَمُ

وَحَيَّ عَلَى السُّوقِ الَّذِي يَلْتَقِي بِهِ الْـ ** مُحِبُّونَ ذَاكَ السُّوقُ لِلْقَوْمِ يُعْلَمُ

فَمَا شِئْتَ خُذْ مِنْهُ بِلا ثَمَنٍ لَهُ ** فَقَدْ أَسْلَفَ التُّجَّارُ فِيهِ وَأَسْلَمُوا

وَحَيَّ عَلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ فَإِنَّهُ ** لِمَوْعِدُ أَهْلِ الْحُبِّ حِينَ يُكَرَّمُوا

وَحَيَّ عَلَى وَادٍ هُنَالِكَ أَفْيَحٍ ** وَتُرْبَتُهُ مِنْ أَذْفَرِ الْمِسْكِ أَعْظَمُ

مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ هُنَاكَ وَفِضَّةٍ ** وَمِنْ خَالِصِ الْعِقْيَانِ لا تَتَفَصَّمُ

وَمِنْ حَوْلِهَا كُثْبَانُ مِسْكٍ مَقَاعِدُ ** لِمَنْ دُونَهُمْ هَذَا الْعَطَاءُ الْمُفَخَّمُ

يَرَوْنَ بِهِ الرَّحْمَنَ جَلَّ جَلاله ** كَرُؤْيَةِ بَدْر التِّم لا يُتَوَهَّمُ

كَذَا الشَّمْسُ صَحْوًا لَيْسَ مِنْ دُونِ أُفِقْهَا ** سَحَابٌ وَلا غَيْمٌ هُنَاكَ يُغَيِّمُ

فَبَيْنَاهُمْ فِي عَيْشِهِمْ وَسُرُورِهِمْ ** وَأَرْزَاقُهُمْ تَجْرِي عَلَيْهِمْ وَتُقْسَمُ

إِذَا هُمْ بِنُورٍ سَاطِعٍ قَدْ بَدَا لَهُمْ ** وَقَدْ رَفَعُوا أَبْصَارَهُمْ فَإِذَا هُمُ

بِرَبِّهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ قَائِلٌ لَهُمْ: ** سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمُ وَنَعِمْتُمُ

سَلامٌ عَلَيْكُمْ يَسْمَعُونَ جَمِيعُهُمْ ** بِآذَانِهِمْ تَسْلِيمَهُ إِذْ يُسَلِّمُ

يَقُولُ سَلُونِي مَا اشْتَهَيْتُمْ فَكُلَّ مَا ** تُرِيدُونَ عِنْدِي إِنَّنِي أَنَا أَرْحَمُ

فَقَالُوا جَمِيعًا نَحْنُ نَسْأَلُكَ الرِّضَى ** فَأَنْتَ الَّذِي تُولِي الْجَمِيلَ وَتَرْحَمُ

فَيُعْطِيهِمُ هَذَا وَيُشْهِدُ جَمْعَهُمْ ** عَلَيْهِ تَعَالَى اللهُ فَاللهُ أَكْرَمُ

فَبِاللهِ مَا عُذْرُ امْرِئٍ هُوَ مُؤْمِنٌ ** بِهَذَا وَلا يَسْعَى لَهُ وَيُقَدِّمُ؟!

وَلَكِنَّمَا التَّوْفِيقُ بِاللهِ إِنَّهُ ** يَخُصُّ بِهِ مَنْ شَاءَ فَضْلاً وَيَنْعَمُ

فَيَا بَائِعًا غَالٍ بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ ** كَأَنَّكَ لا تَدْرِي بَلَى سَوْفَ تَعْلَمُ

فَقَدِّمْ فَدَتْكَ النَّفْسُ نَفْسَكَ إِنَّهَا ** هِيَ الثَّمَنُ الْمَبْذُولُ حِينَ تُسَلَّمُ

وَخُضْ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَارْقَ مَعَارِجَ الْـ ** مَحَبَّةِ فِي مَرْضَاتِهِمْ تَتَسَنَّمُ

وَسَلَّمْ لَهُمْ مَا عَاقَدُوكَ عَلَيْهِ إِنْ ** تُرِدْ مِنْهُمْ أَنْ يَبْذِلُوا وَيُسْلَّمُوا

فَمَا ظَفِرَتْ بِالْوَصْلِ نَفْسٌ مُهَيْنَةٌ ** وَلا فَازَ عَبْدٌ بِالْبَطَالَةِ يَنْعَمُ

وَإِنْ تَكُ قَدْ عَاقَتْكَ سُعْدَى فَقَلْبُكَ الْـ ** مُعَنى رَهِينٌ فِي يَدَيْهَا مُسَلَّمُ

وَقَدْ سَاعَدَتْ بِالْوَصْلِ غَيْرَكَ فَالْهَوَى ** لَهَا مِنْكَ وَالْوَاشِي بِهَا يَتَنَعَّمُ

فَدَعْهَا وَسَلِّ النَّفْسَ عَنْهَا بِجَنَّةٍ ** مِنَ الْعِلْمِ فِي رَوْضَاتِهَا الْحَقُّ يَبْسِمُ

وَقَدْ ذُلِّلَتْ مِنْهَا الْقُطُوفُ فَمَنْ يُرِدْ ** جَنَاهَا يَنَلْهُ كَيْفَ شَاءَ وَيَطْعَمُ

وَقَدْ فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَتَزَيَّنَتْ ** لِخُطَّابِهَا فَالْحُسْنُ فِيهَا مُقَسَّمُ

وَقَدْ طَابَ مِنْهَا نَزْلُهَا وَنَزِيلُهَا ** فَطُوبَى لِمَنْ حَلُّوا بِهَا وَتَنَعَّمُوا

أَقَامَ عَلَى أَبْوَابِهَا دَاعِي الْهُدَى ** هَلِمُّوا إِلَى دَارِ السَّعَادَةِ تَغْنَمُوا

وَقَدْ غَرَسَ الرَّحْمَنُ فِيهَا غِرَاسَةً ** مِنَ النَّاسِ وَالرَّحْمَنُ بِالْخَلْقِ أَعْلَمُ

وَمَنْ يَغْرِسِ الرَّحْمَنُ فِيهَا فَإِنَّهُ ** سَعِيدٌ وَإِلا فَالشَّقَاءُ مُحَتَّمُ

اللَّهُمَّ وفقنا لقول الحق وإتباعه وخلصنا من وساوس قلوبنا الحاملة على التورط في هوة الْبَاطِل وابتداعه واجعل إيماننا إيمانًا خالصًا صادقًا قويًا وكن لنا مؤيدًا ولا تجعل لفاجر عَلَيْنَا يدًا واجعل عيشنا عيشًا رغدًا. ولا تشمت بنا عدوًا ولا حاسدًا وارزقنا في محبتك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وعملاً متقبلاً وحفظًا كاملاً وفهمًا ذكيًا وطبعًا صفيًا وأدبًا مرضيًا، وَاْغِفرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.